تبدأ هذه القصة التي تبدو غير معقولة بعجل ذهبي. (وهي مأخوذة من سفر الخروج في العهد القديم) كان بنو إسرائيل عند جبل سيناء منتظرين ظهور موسى. وكان الله قد أنقذهم من مصر من خلال عدة معجزات مذهلة يفترض أن تشجعهم بقوة على التمسّك بالرب والثقة به في مستقبل حياتهم وتوجيه حياتهم. لكن، رغم أمانة الله الدائمة ورحمته، نفذ صبر الشعب بعد طول غياب موسى على الجبل، وأصروا على هارون أن يصنع لهم إلهًا يقودهم إلى الأرض الموعودة! قرّروا أن الإله الحقيقيّ لم يعد موجودًا. إذ اختفى باختفاء موسى. وأرادوا إلهًا بديلًا يفصّلونه على أمزجتهم، إلهًا يطيعهم بدلًا من إله يطيعونه، إلهًا يرضيهم بدلًا من أن يرضوه. وهم بهذا يحولون أنفسهم إلى آلهة تصنع آلهة مخلوقة! فصنع لهم هارون تمثال ذهب لعِجلٍ، فقال الشعب: “هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر” (خروج 32: 8). وبعبارة أخرى، فإنهم يصرّحون: “يهوه هو إلهنا. يهوه خلصنا من مصر. يهوه هو الرب. لكننا سنستبدله بوثن. لم يتخلّوا عن حلم الأرض الموعودة والحلم بالوصول إليها، لكنهم أرادوا أن يفوّضوا وثنًا، أي إلهًا زائفًا، بتحقيقِ هذا الوعد والحلم، وسيزعمون أن هذا الإله الزائفَ الذي خلقوه هو الذي خلّصهم من عبودية مصر. أرادوا أن يكذبوا على أنفسهم وعلى الله!

ومن المحزن أن كثيرين من المؤمنين بالمسيح يفعلون الأمر نفسه اليوم. لقد قبِلوا المسيحَ مخلّصًا لهم، غير أنهم توقفوا عند هذه النقطة، فلم يسيِّدوه على حياتهم. فعلى سبيل المثال، تقول: “السيد المسيح رب”، لكنك لا تتبعه ولا تخضع له ولا تطيع وصاياه. وربما تختار نصوصًا كتابية دون أخرى لتتبعها. وربما تصفّق لآيات تتحدث عن محبة الله متجاهلًا قداسته والدعوة إلى التوبة والابتعاد عن روح العالم ومبادئه المعادية لله. أو ربما تتغنّى برحمته، لكنك تَغُضّ الطرف عن عدالته. وعندما تفعل ذلك، فإنك تخلق إلهًا ابتدعته في مخيلتك بدلًا من أن تعبد الله الذي خلقك على هذه الصورة. ربما لا تصنع عجلًا من ذهب كما فعل بنو إسرائيل قديمًا، لكن ربما تعبد إلهًا زائفًا، وهذا نوع خفي من عبادة الأوثان، حيث ترفضُ ربوبية الله، وتنصّب نفسك إلهًا فتوجه حياتك وتقرر اهتماماتك ومسار حياتك. وبهذا تخلق مسيحًا حسب مواصفاتك ومن تفصيلك بدلًا من أن تتبع السيد المسيح الذي خلقك. فإن كنت تعبد مسيحًا أكثر شبهًا بالمزاج الحالي لثقافتك من الإله غير المتغير، فارجع بسرعة إلى كلمة الله لتعرفه كما هو وكما قدّم نفسه. واقبل الكتاب المقدّس بكامله وبكلِّ ملئه. ولا تتجاهل الأجزاء التي تجد فيها تحدّيًا، أو تلك التي تبدو غير مريحة أو غير مفهومة لك. لا تعبد إلهًا تتحكم فيه وتغيّره حسب أهوائك، بل اعبد الإله الحقيقي الذي يستطيع أن يغيرك إلى ما هو أفضل مما يمكن أن تتخيل. وتذكّر أن إلهًا تفهمه سيبقى دائمًا أصغر منك. وإذا عزمت على القيام برحلة طيلة عمرك تتخلص فيها من الزيف وتعيد اكتشاف الله كما هو، ستكتشف إيمانًا أقوى من كل الزيف الموجود في العالم.

فارس أبو فرحة